هروبي الى الحرية

ثمة حقيقتان؛ الحقيقة الشاعرية والحقيقة العلمية.

أما الشاعر، فالنجوم عنده إما متلألئة وحزينة، أو تنظر إلينا من أعالي السماوات وتحَدثنا عن الخلود، والقمر هو نور السماءِ ونديمُ العشاق، والغدير يهمس ويروي حكاية، وشجرةُ السنديان العتيقة تكتم الأسرار، والسماءُ تبتسمُ أو ترعد في غضب، وقممُ الجبالِ تتأمل السماءَ الزرقاءَ الواسعةَ وتحكي عن خلود الطبيعة وسرعة زوال كل ما هو إنساني، إلخ.

وأما العلم فيرى الأشياء بطريقة مختلفة تمامًا؛ الطبيعةُ محايدةٌ، والكونُ خلو من التعبير، وكلّ ما فيه مجرد لعبة لقوى عمياء ولا مقصد لها.

والقمر لا جمال فيه، جرمٌ سماوي عاطل عن الجمال يدور في ظلمةِ الفضاء من ملايين السنين، بلا غايةٍ معروفةٍ أو مفهومة.

قد نكتشف الكثير عن أنفسنا إذا استطعنا أن نُحدِّد يقينًا أيهما نراه الأصدق والأقرب منا: اللا حقيقة الشاعرية أم الحقيقة العلمية.

وهنا قد تكمن الإجابة عن: من نحن؟ ومن أين جئنا؟ أي الإجابة عن ماهية طبيعتنا وأصلنا.
..
3575. العلم لا يمدح أو يلعن، بل يستعمل.

وليس العلم بأي حال حقيقة خالصة، كما يراه البعض أو يزعم، بل هو أحد السبل إلى الحقيقة.
..
1556. يحاول العلم أن يجيب على الأسئلة الأبدية “والنهائية”، وهي التي تدور حول: الله، والخلود، والحرية.

والنتيجة: إما (1) إجابات خاطئة وضلالات نتداولها فيما بيننا، أو (2) خيبة أمل بسبب عجز العقل الإنساني عن تقديم إجابة مُقنعة.

إن العلم يستبعد الدين ولكنه يعجز عن أن يحل محله، والمثال التاريخي على هذا هو الحالة الروحية في أوربا في بدايات القرن التاسع عشر، حيث شاعت نزعة الشك، ونزعة التشاؤم، وانتشرت المعضلات الإنسانية، بل والشعور بـ “الشقاء الكوني*”.

وكان هناك مخرجان ممكنان: العودة إلى الدين، وهو أمر مستحيل تمامًا بالنسبة للبعض، أو رفض ما يسمى بالأسئلة الأبدية “النهائية” التي تدور حول: الله، والخلود، والروح الإنسانية، والحرية.

وقدمت الفلسفةُ المادية الجديدة هذا المخرجَ الثاني، حيث ترى أن العقل ليس عاجزا، وأنّه لا يطرح هذه الأسئلة، ومن ثمَّ لا توجد إجابات، ولا يمكن للعقل أن يقدم إجابة عقلانية على أسئلة خاطئة أو غير عقلانية، وكذلك لا يستطيع العلم أن يُلبِّي مطالب غير علمية.

ووفقا للفلاسفة الماديين، فبدلا من أن نخسر الإيمان بالعقل ينبغي علينا أن نقدّم تعريفا جديدا لحقيقة العالم، أن نضع حدا بين الحقيقة والوهم.

هروبي الى الحرية