الجذور اللاهوتية للحداثة
ماذا لو كانت هذه القرون الخمسة الماضية من الحروب الدينية والمآسي التي خلفتها مطامع الدول العلمانية هي حكاية طويلة عن نشأة الحداثة، بدأ أول فصل منها بعد قداس يوم أحد في «أفينون» جمع وليام الأوكامي، وفرانشيسكو بترارك، ومايستر إيكهارت، ليخرج منه الثلاثة بنظرة ميتافيزيقية بديلة «للواقعية المدرسية»، واضعين لبنة أولى للحداثة من خلال «المذهب الإسماني».
ما يتبادر إلى ذهن أي من يطرق اسم الحداثة مسمعه أنها رؤية دنيوية محيدة للدين في العالم، متحررة من اللاهوت ومنبتة عن جذورها الدينية، إلا أن مايكل جيلبسي من خلال تتبعه أصول الحداثة وتاريخها يرى عكس ذلك تماما.
فهو يرى بأن الحداثة وصلت إلى ما وصلت إليه الآن لقدرتها على تضمين اللاهوت في بنيتها الفلسفية لا تحييده وفصله عنها، متتبعا منشأ ذلك، بدءا من الثورة الإسمانية التي سلبت المفاهيم من صفة وجودها العيني، مرورا بمعاركها مع التيارات «المدرسية» وعصر مركزية الإنسان مع بيترارك ووليام الأوكامي ثم لاهوت الخشية عند هوبز حتى علمانية عصر ما بعد 11 سبتمبر.
هذا التتبع التاريخي للاهوت في بنية الحداثة يسمح لنا بخلق حوار فلسفي مادته ونتيجته أن الحداثة هي سلسلة من التأويلات الدينية التي حاولت خلق ميتافيزيقيا ولاهوت جديد متماسك يفسر العالم، بعيدا عن النص الديني والطبيعة، أقرب إلى المادة والفرد والإنسان.
ما نعيشه الآن وعشناه طيلة نمو ونضج الحداثة في القرون الماضية هو حداثة أقل علمانية مما نصوره، أقل تحررا من الدين والمطلق الديني، وهي بلا شك… حداثة لاهوتية بامتياز.
الجذور اللاهوتية للحداثة
Reviews
There are no reviews yet.