الخطابة
اصولها وتاريخها
اعتقد الأقدمون أن للخطابة علماً، له أصول وقوانين ، من أخذ بها ، أو بعبارة أدق من استطاع
الأخذ بها والسير في طريقها – عد خطيباً. وعرفوا هذا العلم بأنه مجموع قوانين ، تعرف الدارس طرق
التأثير بالكلام، وحسن الإقناع بالخطاب؛ فهو يعني بدراسة طريق التأثير ، ووسائل الإقناع،
وما يجب أن يكون عليه الخطيب من صفات، وما ينبغي أن يتجه إليه من المعاني في الموضوعات المختلفة .
وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة ، وأساليبها ، وترتيبها ، وهو بهذا ينير الطريق أما من عنده استعداد
الخطابة؛ ليربي ملكاته ، وينمي استعداداته، ويطب لما عنده من عيوب ، ويرشده إلي طريق
إصلاح نفسه ؛ ليسير في الدرب ، ويسلك السبيل.
هذا العلم ينير الطريق، ولا يحمل علي السلوك؛ فهو يرشد دراسة إلي مناهج، ومسالك، ولا يحمله علي
السير فيها ، هو يعطيه المصباح ، ولا يضمن له أن يري به إذا كان في عينيه رمد؛ وإن أرسطو واضع
كتاب الخطابة لم يكن خطيباً، بل قال فيه الجاحظ إنه كان بكئ اللسان. وليس علم الخطابة بدعا في ذلك،
فعلم النحو لا يضمن لمتعلمه أن ينطق بالفصحي ما لم يمرس نفسه عليه؛ وعلم الأخلاق لا يضمن لعارفه
سلوكا قويماً ما لم يرض نفسه علي الأخذ به؛ وعلم العروض لا يكون شاعراًوعلم المنطق يسن قانونا
لاعتصام الذهن ، ولا يضمن للعالم به عصمه الذهن ما لم يرض نفسه عليه رياضة كاملة.وهكذا كل العلوم
النظرية التي تظهر ثمرتها في العمل ، تعطي من يريدها قانونا يساعده ، ولا تضمن له العمل إلا إذا راض نفسه علي قانونها.
Reviews
There are no reviews yet.