عودة الياسمين
يبحر إبراهيم نصر الله من خلال قصائده القصيرة جدا في محطات تأملية تستولد المعاني
والحكم من اشياء كثيرة قد لا يلتفت اليها كثيرون، فهنا معالجات ورؤى جميلة وعميقة تفيض بحالات
وجدانية حميمة تؤنس الاشياء وتمنحها قيمة انسانية نبيلة مستمدة من بصيرة نافذة للشاعر
هذه القصائد اشبه بومضات خاطفة لكنها تنطوي على طاقة من الاضاءة لمساحات واسعة من التامل
وتفتح افاقا رحبة للرؤية الابداعية التي تجسد شغفا بقيم النبل والجمال، ليست كما هي معروفة لدى الانسان وحده
بل كما يمكن ان توجد لدى الكائنات والاشياء التي نرتبط بها بعلاقات وجدانية حميمة غالبا ما يكون الشعراء اكثر إحساسا بها واسرع التقاطا
انها تاملات عميقة الغور، يمور القلق الوجودي ويتلاطم في نيرانها الداخلية عبر الايماءة والاشارة والايحاء
وبما تزخر به من اسئلة انسانية
واذا كنا نؤسس هنا على راي “ارسطو” (الشعر هو ليس الفن الاكثر تكثيفا بل هو ايضا الفن الاكثر فلسفة) فالخطاب
الشعري لـ “ابراهيم نصرالله” يتبلور في هاتين الخاصيتين التكثيف والفلسفة
الاول يحدث على مستوى التوظيف الايحائي واللغوي والسردي اما الثاني
فينبثق من خلال اختيار الثيمة ذات البعد الفلسفي واقامة السؤال الفلسفي ازاء الوجود الحياتي الانساني
يقول الدكتور احسان عباس في حديثه عن تجربة ابراهيم نصر
الله في كتابة القصيدة القصيرة: ((لقد استطاع ابراهيم نصر اللـه ان يضع اطارا واضحا لظاهرة القصيدة القصيرة؛
ومعه اتخذت القصيدة الجديدة بعدا جديدا حين افردت في ديوان كامل او اكثر من ديوان
دون ان يكون ذلك ساما في القصيدة الطويلة التي اجادها ابراهيم في
“نعمان يسترد لونه” وفي “الفتى النهر .. والجنرال” وغيرهما من دواوينه
ثم ان انتقال ابراهيم بين الشعر والرواية يدل على ان طول الشكل لا يقف في طريق ابداعه
ان القصيدة القصيرة عند ابراهيم تترك في نفس القارئ اثرين متباينين: شعورا بالاكتفاء
وايحاء مسترسلا، كما تترك لهفة الى مزيد ولكل من هاتين الحالتين دورها
الايجابي في نفس القارئ اذ ليست اللهفة اقل اثارة من الشعور بالرضا
عودة الياسمين
Reviews
There are no reviews yet.